وبه صرح القفل في فتاويه وبه قال؛ لأن في ذلك تعهده, ولا تمييز له, فهو كالحمار يربط.
وذكره ابن القاص في كلامه على حديث "يا أبا عمير ما فعل النغير"؟ ? ويشهد ما في كتاب ابن السني "أن عليا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة, فأمره أن يتخذ زوج حمام, ويشكر الله عند هديرها".
وكذلك قصة الشافعي مع مالك في الرجل الذي اشترى القمري ووجده لا يصيح كثيراً.
نعم, هذا ظاهر في الطيور المأكولة, أما غير المأكولة ففيه توقف؛ فقد ذكر العبادي في "الطبقات", أن النهي عن قتل الهدهد والصرد, والخطاف لكرامتها.
وإذا كان كذلك فمن كرامته ألا يتعرض له البتة بحبس، ولا غيره، لأن الحبس عقوبة، ولأنه يحرم قتله، فيحرم حبسه قياسا على الصيد في حق المحرم.
لكن قوله صلى الله عليه وسلم في صاحبة الهرة التي رآها في النار: "حبستها فلا أطعمتها ولاهي تركتها تأكل من خشاش الأرض" دليل على أن: من حبس الهرة وما في معناها، وأطعمها، لا يعاقب على ذلك.
قيل: يجوز لأنه يحتاج إليها في الحرب لنقل الأخبار. والأصح: كراهته لما رواه أبو داود، وابن ماجة، وابن حبان، والطبراني، والبيهقي، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة، فقال "شيطان يتبع شيطانة".
قال البيهقي: حمله بعض أهل العلم على إدمان صاحب الحمام لإطارته، والاشتغال به، والارتقاء بسببه إلى الأسطحة التي يشرف منها على بيوت الجيران، وحرمهم.
وقال ابن حبان: إنما قال له: شيطان، لأن اللاعب بالحمام لا يكاد يخلو من لهو وعصيان والعاصي يقال له: شيطان.
قال تعالى: (شياطين الإنس والجن) وأطلق على الحمامة شيطانة للمجاورة.
وروى ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي "والبيهقي عن سفيان الثوري قال: سمعنا أن اللعب بالحمام من عمل قوم لوط.
وعن النخعي قال: من لعب بالحمام الطيارة، لم يمت حتى يذوق ألم الفقر.
وعن أيوب قال: كان ملاعب آل فرعون الحمام.
وعن أسامة بن زيد قال: شهدت عمر بن عبد العزيز يأمر بالحمام الطيارة فتذبحن، ويترك المقصصات.
وروى في تاريخه عن زهير أن المهدي كان يحب الحمام فروى له غياث بن إبراهيم حديث "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل" فزاد فيه: "أو جناح" فلما قام قال المهدي: أشهد أن قفاه قفا كذاب، وأنا استجلبت ذلك، وأمر بالحمام فذبحت. وروى الخطيب عن زكريا الساجي قال: أن أبا البختري دخل على الرشيد وهو قاض، وهارون إذ ذاك يطير الحمام، فقال: هل تحفظ في هذا شيئا؟ فقال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطير الحمام".
فقال هارون: أخرج عني، ثم قال: لولا أنه من قريش لعزلته.
روى ابن سعد في "الطبقات" وأبو نعيم, والبيهقي في "الدلائل" عن أبي مصعب المكي قال: أدركت أنس بن مالك, وزيد بن أرقم, والمغيرة بن شعبة يتحدثون: أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله بشجرة, فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم, وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسرته, وأمر حمامتين وحشيتين, فوقفتا بفم الغار, وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم, وهراواتهم, وسيوفهم, حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم بقدر أربعين ذراعا, جعل رجل منهم ينظر في الغار, فرأى حمامتين بفم الغار, فرجع إلى أصحابه فقال: رأيت حمامتين بفم الغار, فعلمت أنه ليس فيه أحد, فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: فعرف أن الله قد درأ بهما عنه, فدعاهن النبي صلى الله عليه وسلم, وشمت عليهن, وفرض جزأهن, وانحدرن في الحرم, فأفرج ذلك الزوج كل شيء في الحرم.
وإلى ذلك أشار صاحب البردة بقوله:
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم
وروى ابن وهب: أن حمام مكة أظلت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتحها فدعا لها بالبركة وذكر الثعلبي عن وهب بن منبه في قوله تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) .
قال: اختار من النعم: الضأن, ومن الطير: الحمام.
وفي "تفسير الثعلبي" وغيره عن سليمان بن داود عليهما السلام: أن الحمام يقول: "سبحان ربي الأعلى".