البخيل، وصنه بطارفك وتالدك، فمعه يكمل الانس، وتنجلي الأحزان ويقصر الزمان، وتطيب الأحوال.

ولن يفقد الانسان من صاحب هذه الصفة عوناً جميلاً، ورأياً حسناً، ولذلك اتخذ الملوك الوزراء والدخلاء كي يخففوا عنهم بعض ما حملوه من شديد الأمور وطوقوه من باهظ الأحمال، ولكي يستغنوا بآرائهم، ويستمدوا بكفايتهم، وإلا فليس في قوة الطبيعة أن تقاوم كل ما يرد عليها دون استعانة بما يشاكلها وهو من جنسها.

ولقد كان بعض المحبين - لعدمه هذه الصفة من الإخوان، وقلة ثقته منهم لما جربه من الناس وانه لم يعدم ممن باح إليه بشيء من سره أحد وجهين: إما إزراء على رأيه وإما إذاعة لسره - أقام الوحدة مقام الأنس، وكان ينفرد في المكان النازح عن الأنيس، ويناجي الهواء، ويكلم الأرض، ويجد في ذلك راحة كما يجد المريض في التأوه، والمحزون في الزفير؛ فغن الهموم إذا ترادفت في القلب ضاق بها، فإن لم ينص منها شيء باللسان، ولم يسترح إلى الشكوى لم يلبث ان يهلك غماً ويموت أسفاً.

وما رأيت الإسعاد أكثر منه في النساء، فعندهن من المحافظة على هذا الشان والتواصي بكتمانه والتواطؤ على طيه إذا اطلعن عليه ما ليس عند الرجال، وما رأيت امرأة كشفت سر متحابين إلا وهي عند النساء ممقوتة مستثقلة مرمية عن قوس واحدة.

وإنه ليوجد عند العجائز في هذا الشان ما لا يوجد عند الفتيات، لان الفتيات منهن ربما كشفن ما علمن على سبيل التغير، وهذا لا يكون إلا في الندرة، وأما العجائز فقد يئسن من أنفسهن فانصرف الإشفاق محضاً إلى غيرهن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015