وربما كان المحبوب كارهاً لإظهار الشكوى متبرماً بسماع الوجد، فترى المحب حينئذ يكتم حزنه ويكظم أسفه وينطوي على علته، وإن الحبيب متجن، فعندها يقع الاعتذار عن كل ذنب والإقرار بالجريمة، والمرء منها بريء، تسليماً لقوله وتركاً لمخالفته.

وإني لأعرف من دهي بمثل هذا فما كان ينفك من توجيه الذنوب نحوه ولا ذنب له، وإيقاع العتاب عليه والسخط وهو نقي الجلد.

وأقول شعراً إلى بعض إخواني، ويقرب مما نحن فيه، وإن لم يكن منه: [من الطويل] وقد كنت تلقاني بوجه لقربه ... تراض وللهجران عن قربه سخط وما تكره العتب اليسير سجيتي ... على أنه قد عيب في الشعر الوخط فقد يتعب الإنسان في الفكر نفسه ... وقد يحسن الخيلان في الوجه والنقط تزين إذا قلت ويفحش أمرها ... إذا أفرطت يوماً وهل يحمد الفرط ومنه: أعنه فقد أضحى لفرط همومه ... يبكي له القرطاس والحبر والخط ولا يقولن قائل إن صبر المحب على ذلة المحبوب دناءة في النفس فهذا خطأ، وقد علمنا أن المحبوب ليس كفؤاً ولا نظيراً فيقارض بأذاه، وليس سبه وجفاه مما يعير به الإنسان ويبقى ذكره على الأحقاب، ولا يقع ذلك في مجالس الخلفاء ولا في مقاعد الرؤساء، فيكون الصبر مستجراً للمذلة، والضراعة قائدة للاستهانة؛ فقد ترى الإنسان يكلف بأمته التي يملك رقها، ولا يحول حائل بينه وبين التعدي عليها، فكيف الانتصاف منها.

وسبل الامتعاض من السب غير هذه، إنما ذلك بين علية الرجال الذين تحصى أنفاسهم وتتبع معاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015