ويحكى عن الحسن بن هانئ أنه كان مغرماً بحب محمد بن هارون المعروف بابن زبيدة، وأحس منه ببعض ذلك فانتهزه على إدامة النظر إليه، فذكر عنه أنه كان لا يقدر ان يديم النظر إليه إلا مع غلبة السكر على محمد.
وربما كان سبب الكتمان ألا ينفر المحبوب أو ينفر به.
فإني أدري من كان محبوبه له سكناً وجليساً، لو باح بأقل سبب من أنه يهواه لكان منه " مناط الثريا قد تعلت نجومها "؛ وهذا ضرب من السياسة.
ولقد كان يبلغ من انبساط هذا المذكور مع محبوبه إلى فوق الغاية وأبعد النهاية، فما هو إلا ان أباح إليه بما يجد فصار لا يصل إلى التافه اليسير مع التيه ودالة الحب وتمنع الثقة بملك الفؤاد، وذهب ذلك الانبساط ووقع التصنع والتجني، فكان أخاً فصار عبداً، ونظيراً فعاد أسيراً، ولو زاد في بوحه شيئاً إلى أن يعلم خاصة المحبوب ذلك لما رآه إلا في الطيف، ولا نقطع القليل والكثير، ولعاد ذلك عليه بالضرر.
وربما كان من أسباب الكتمان الحياء الغالب على الإنسان.
وربما كان من أسباب الكتمان ان يرى المحب من محبوبه انحرافاً وصداً، ويكون ذا نفس أبية، فيستتر بما يجد لئلا يشمت به عدو، أو ليريهم ومن يجب هوان ذلك عليه.