وليس من العجب فيمن أحب قبيحاً ثم لم يصحبه ذلك في سواه فقد وقع من ذلك، ولا في من طبع مذ كان على تفضيل الأدنى، ولكن في من كان ينظر بعين الحقيقة ثم غلب عليه هوى عارض بعد طول بقائه في الجمام فأحاله عما عهدته نفسه حوالة صارت له طبعاً، وذهب طبعه الأول وهو يعرف فضل ما كان عليه أولاً، فإذا رجع إلى نفسه وجدها تأبى إلا الأدنى، فأعجب لهذا التغلب الشديد والتسلط العظيم.
وهو أصدق في المحبة حقاً ممن يتحلى بشيم قوم ليس منهم، ويدعي غريزة لا تقبله، فيزعم أنه يتخير من يحب.
أما لو شغل المحب بصيرته، وأطاح فكرته، وأجحف بتمييزه، لحال بينه وبين التخير والارتياد.
وفي ذلك أقول شعراً منه: [من البسيط] منهم فتى كان في محبوبه وقص ... كأنما الغيد في عينيه جنان وكان منبسطاً في فضل خبرته ... بحجة حقها في القول تبيان إن المها وبها الأمثال سائرة ... لا ينكر الحسن فيها الدهر إنسان وقص فليس بها عنقاء واحدة ... وهل تزان بطول الجيد بعران وآخر كان في محبوبه فوه ... يقول حسبي في الأفواه غزلان وثالث كان في محبوبه قصر ... يقول إن ذوات الطول غيلان وأقول أيضاً: [من الطويل] يعيبونها عندي بشقرة شعرها ... فقلت لهم هذا الذي زانها عندي يعيبون لون النور والتبر ضلة ... لرأي جهول في الغواية ممتد وهل عاب لون النرجس الغض عائب ... ولون النجوم الزاهرات على البعد وأبعد خلق الله من كل حكمة ... مفضل جرم فاحم اللون مسود