قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا تقدره يصلح عند الساكن النفس السالم من الأحقاد في الزمن الطويل، ولا ينجبر عند الحقود أبداً، فلا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل الصحبة، وأهدرت المعاتبة، وسقط الخلاف، وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المضاحكة والمداعبة، هكذا في الوقت الواحد مراراً.
وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ولا يدخلنك ريب ألبتة ولا تتمار في أن بينهما سراً من الحب دفيناً، واقطع فيه قطع من لا يصرفه عنه صارف.
ودونكها تجربة صحيحة وخبرة صادقة.
هذا لا يكون إلا عن تكاف في المودة وائتلاف صحيح، وقد رأيته كثيراً.
ومن أعلامه أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب، ويستلذ الكلام في أخباره ويجعلها هجيراه، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها، ولا ينهنهه عن ذلك تخوف ان يفطن السامع ويفهم الحاضر، وحبك الشيء يعمي ويصم.
فلو أمكن المحب ألا يكون حديث في مكان فيه إلا ذكر من يحبه لما تعداه.
ويعرض للصادق المودة ان يبتدئ في الطعام وهو له مشته فما هو إلا وقت ما يهتاج له ذكر من يحب صار الطعام غصة في الحلق وشجى في المرئ، وهكذا في الماء، وفي الحديث، فإنه يفاتحكه مبتهجا، فتعرض له خطرة من خطرات الفكر فيمن يحب، فتستبين