بعرس في بعض الشوارع بقربطة، والنكوري الزامر قاعد في وسط الحفل، وفي رأسه قلنسوة وشي وعليه ثوب خز عبيدي، وفرسه بالحلية المحلاة يمسكه غلامه، وكان فيما مضى يزمر لعبد الرحمن الناصر، وهو يرمز في البوق بقول أحمد بن كليب في أسلم: [من المتقارب] أسلمني في هوا ... هـ أسلم هذا الرشا غزال له مقلة ... يصيب بها من يشا وشى بيننا حاسد ... سيسأل عما وشى ولو شاء أن يرتشي ... على الوصل روحي ارتشى ومغن محسن يسايره فيها؛ قال: فلما بلغ هذا المبلغ انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب، ولزم بيته والجلوس على بابه، فكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائراً، ومقبلاً نهاره كله، فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهاراً، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحاً وجلس داره نهارا، فإذا صلى صبر أحمد بن كليب، فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة من جباب أهل البادية، واعتم بمثل عمائمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجاً، وبالأخرى قفصاً فيه بيض، وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبل يده، وقال يأمر مولاي بأخذ هذا، فقال له أسلم: ومن انت فقال: صاحبك في الضيعة الفلانية، وقد كان تعرف أسماء ضياعه وأصحابه فيها، فأمر أسلم بأخذ ذلك منه، ثم جعل أسلم يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام وتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي وهنا بلغت بنفسك، وإلى هاهنا تبعتني، أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابي نهاراً، حتى قطعت علي جميع ما لي فيه راحة، فقد صرت من سجنك.

والله، لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي، ولا قعدت ليلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015