حسن منظرها، حين شملها الخراب، وعمها الهدم، كأفواه السباع فاغرة، تؤذن بفناء الدنيا، وتريك عواقب اهلها، وتخبرك عما يصير إليه كل من تراه قائماً فيها، وتزهد في طلبها بعد أن طالما زهدت في تركها، وتذكرت أيامي بها ولذاتي وشهور صباي لديها، مع كواعب إلى مثلهن صبا الحليم، ومثلت لنفسي كونهن تحت الثرى وفي الآفاق النائية والنواحي البعيدة، وقد فرقتهن يد الجلاء، ومزقتهن أكف النوى، وخيل إلى بصري فناء تلك النصبة بعدما علمته من حسنها وغضارتها والمراتب المحكمة التي نشأت فيها لديها، وخلاء تلك الأفنية بعد تضايقها باهلها، وأوهمت سمعي صوت الصدى والهام عليها، بعد حركة تلك الجماعات التي ربيت بينهم فيها، وكان ليلها تبعا لنهارها في انتشار ساكنها والتقاء عمارها، فعاد نهارها تبعاً لليلها في الهدوء والاستيحاش، فأبكى عيني وأوجع قلبي وقرع صفاة كبدي وزاد في بلاء لبي، فقلت شعراً منه: [من الطويل] .

لئن كان أظمانا فقد طالما سقى ... وإن ساءنا فيها فقد طالما سرا والبين يولد الحنين والاهتياج والتذكر، وفي ذلك أقول: [من البسيط] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015