عندي حتى جيش الموفق أبو الجيش مجاهد صاحب الجزائر الجيوش وقرب العساكر ونابذ خيران صاحب المرية وعزم على استئصاله، فانقطعت الطرق بسبب هذه الحرب، وتحوميت السبل واحترس البحر بالأساطيل، فتضاعف كربه إذ لم يجد إلى الانصراف سبيلاً البتة، وكاد يطفأ أسفاً، وصار لا يأنس بغير الوحدة، ولا يلجأ إلا إلى الزفير والوجوم، ولعمري لقد كان ممن لم أقدر قط فيه أن قلبه يذعن للود، ولا شراسة طبعه تحبب إلى الهوى.
وأذكر أني دخلت قرطبة بعد رحيلي عنها ثم خرجت منصرفاً عنها فضمني الطريق مع رجل من الكتاب قد رحل لأمر مهم وتخلف سكن له، فكان يرتمض لذلك.
وإني لأعلم من علق بهوى له وكان في حال شظف، وكانت له في الأرض مذاهب واسعة ومناديح رحبة ووجوه متصرف كثيرة، فهان عليه ذلك وآثر الإقامة مع من يحب؛ وفي ذلك أقول شعراً منه: [من الكامل] .
لك في البلاد منادح معلومة ... والسيف غفل أو يبين قرابه