خبر: ومن أرفع ما شاهدته من الوفاء في هذا المعنى وأهوله شأناً قصة رأيتها عياناً، وهو أني أعرف من رضي بقطيعة محبوبه وأعز الناس عليه، ومن كان الموت عنده أحلى من هجر ساعة في جنب طيه لسر أودعه، والتزم محبوبه يميناً غليظة ألا يكلمه أبداً ولا يكون بينهما خبر أو يفضح إليه ذلك السر؛ على ان صاحب ذلك السر كان غائباً فأبى من ذلك وتمادى هو على كتمانه والثاني على هجرانه إلى أن فرقت بينهما الأيام.
2 - ثم مرتبة ثانية وهو الوفاء لمن غدر، وهي للمحب دون المحبوب، وليس للمحبوب ها هنا طريق ولا يلزمه ذلك، وهي خطة لا يطيقها إلا جلد قوي واسع الصدر حر النفس عظيم الحلم جليل الصبر حصيف العقدة ماجد الخلق سالم النية.
ومن قابل الغدر بمثله فليس بمستأهل للملامة، ولكن الحال التي قدمنا تفوقها جداً وتفوتها بعداً.
وغاية الوفاء في هذه الحال ترك مكافأة الأذى بمثله، والكف عن سيء المعارضة بالفعل والقول، والتأني في جذ حبل الصحبة ما أمكن ورجيت الألفة وطمع في الرجعة ولاحت للعودة أدنى مخيلة وشيمت منها أقل بارقة، أو توجس منها أيسر علامة.
فإذا وقع اليأس واستحكم الغيظ فحينئذ [لذ] بالسلامة ممن غرك، والأمن ممن ضرك، والنجاة ممن آذاك، وأن يكون ذكر ما سلف مانعاً من شفاء الغيظ فيما وقع، فرعي الأذمة حق وكيد على أهل العقول، والحنين