بعض الحالات، وهو فى القدر الذى يجرى عليه، بغير اختياره ولا يكون مأْموراً بدفعه ومنازعته بقدر آخر كما تقدم. وأَما إِذا كان مأْموراً بدفعه ومنازعته بقدر هو أَحب إِلى الله منه- وهو مأْمور به أَمر إِيجاب أَو استحباب- فإِسقاط المطالبات وانتفاءُ الاختيار فيه والسعى عين العجز، والله تعالى يلوم على العجز. وقال ابن خفيف: الفقر [عدم الأملاك، والخروج عن أحكام الصفات، قلت: يريد عدم إضافة شيء] إِليه إِضافة ملك، وأَن يخرج عن أَحكام صفات نفسه ويبدلها بأَحكام صفات مالكه وسيده مثاله أَن يخرج عن حكم صفة قدرته واختياره التى توجب له دعوى الملك والتصرف والإِضافات ويبقى بأَحكام صفة القدرة الأَزلية التى توجب له العجز والفقر والفاقة، كما فى دعاءِ الاستخارة: "اللَّهم إِنى أَستخيرك بعلمك، وأَستقدرك بقدرتك وأَسأَلك من فضلك العظيم، فإِنك تقدر ولا أَقدر، وتعلم ولا أَعلم وأَنت علام الغيوب"، فهذا اتصاف بأَحكام الصفات العلى فى العبد، وخروج عن أَحكام صفات النفس.
وقال أبو حفص: لا يصح لأَحد الفقر حتى يكون العطاءُ أَحب إِليه من الأَخذ وليس السخاءُ أَن يعطى الواجدُ المعدمَ، وإِنما السخاءُ أَن يعطى المعدمُ الواجدَ. وقال بعضهم: الفقير الذى لا يرى لنفسه حاجة إِلى شيء من الأَشياء سوى ربه تبارك وتعالى. وسئل سهل بن عبد الله: متى يستريح الفقير؟ فقال: إِذا لم ير لنفسه غير الوقت الذى هو فيه. وقال أبو بكر ابن طاهر: من حكم الفقير أَن لا يكون له رغبة، وإِن كان لا بد فلا تجاوز رغبته كفايته وسئل بعضهم عن الفقير الصادق فقال: الذى لا يَملك ولا يُملك وقال ذو النون: دوام الفقر إِلى الله مع التخليط أحب إلى من دوام الصفاء مع العجب والله أعلم.