فليس عذاب الرؤساء فى النار كعذاب أتباعهم، ولهذا كان فى كتاب النبى صلى الله عليه وسلم لهرقل: "فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ".

والصحيح فى اللفظ أنهم الأتباع ولهذا كان عدو الله إبليس أشد أهل النار عذاباً، وهو أول من يكسى حلة من النار، لأنه إمام كل كفر وشرك وشر.

فما عصى الله إلا على يديه وبسببه، ثم الأَمثل فالأمثل من نوابه فى الأرض ودعاته. ولا ريب أن الكفر يتفاوت، فكفر أغلظ من كفر، كما أن الإيمان يتفاوت فإيمان أفضل من إيمان.

فكما أن المؤمنين ليسوا فى درجة واحدة، بل هم درجات عند الله، فكذلك الكفار ليسوا فى طبقة واحدة ودرك واحد بل النار دركات كما أن الجنة درجات. ولا يظلم الله من خلقه أحداً. وهو الغنى الحميد.

فصل

وغلظ الكفر الموجب لغلظ العذاب يكون من ثلاثة أوجه: أحدها: من حيث العقيدة الكافرة فى نفسها، كمن جحد رب العالمين بالكلية وعطل العالم عن الرب الخالق المدبر له، فلم يؤمن بالله وملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا اليوم الآخر. ولهذا لا يقر أرباب هذا الكفر بالجزية عند كثير من العلماءِ، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم اتفاقاً لتغلظ كفرهم، وهؤلاءِ هم المعطلة والدهرية وكثير من الفلاسفة وأهل الوحدة القائلين بأنه لا وجود للرب سبحانه وتعالى غير وجود هذا العالم.

[الجهة الثانية] : تغلظه بالعناد والضلال عمداً على بصيرة، ككفر من شهد قلبه أن الرسول حق لما رآه من آيات صدقه، وكفر عناداً وبغياً، كقوم ثمود، وقوم فرعون واليهود الذين عرفوا الرسول كما عرفوا أبناءَهم، وكفر أبى جهل وأُمية ابن أبى الصلت وأمثال هؤلاء.

الجهة الثالثة: السعى فى إطفاءِ نور الله وصد عباده عن دينه بما تصل إليه قدرتهم، فهؤلاءِ أشد الكفار عذاباً بحسب تغلظ كفرهم، ومنهم من يجتمع فى حقه الجهات الثلاث، ومنهم من يكون فيه جهتان منها أو واحدة فليس ع

ذاب هؤلاءِ كعذاب من هو دونهم فى الكفر ممن هو ملبوس عليه لجهله، والمؤمنون من أذاه فى سلامة لا ينالهم منه أذى، ولم يتغلظ كفره كتغلظ هؤلاءِ، بل هو مقر بالله ووحدانيته وملائكته وجنس الكتب والرسل واليوم الآخر.

وإن شارك أولئك فى كفرهم بالرسول فقد زادوا عليه أنواعاً من الكفر. وهل يستوى فى النار عذاب أبى طالب وأبى لهب وأبى جهل وعقبة بن أبى معيط وأبى ابن خلف وأضرابهم؟

والمقصود أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015