النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق آدم وبنيه حنفاءَ مسلمين، وأعطاهم المال حلالاً لا حراماً"، فزاد "مسلمين".

قالوا: وأيضاً فإن النار دار عدله [تعالى] والجنة دار فضله، فلهذا ينشيء للجنة من لم يعمل عملاً قط، وأما النار فإنه لا يعذب بها إلا من عمل بعمل أهلها. وقالوا: وأيضاً فإن النار دار جزاءٍ، فمن لم يعص الله طرفة عين كيف يجازى بالنار خالداً مخلداً أبد الآباد؟ قالوا: وأيضاً فلو عذب هؤلاءِ لكان تعذيبهم إما مع تكليفهم بالإيمان أو بدون التكليف.

والقسمان ممتنعان: أما الأول فلاستحالة تكليف من لا تمييز له ولا عقل أصلاً، وأما الثانى فيمتنع أيضاً بالنصوص التى ذكرناها وأمثالها من أن الله لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه. وقالوا: وأيضاً فلو كان تعذيب هؤلاءِ لأجل عدم الإيمان المانع من العذاب لاشتركوا هم وأطفال المسلمين فى ذلك، لاشتراكهم فى عدم الإيمان الفعلى علماً وعملاً.

فإن قلتم: أطفال المسلمين منعهم تبعهم لآبائهم [من] العذاب، بخلاف أطفال المشركين، قلنا: الله [تعالى] لا يعذب أحداً بذنب غيره، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازرِةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ، وقال تعالى: {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} [يس: 54] ، وهذه حجج كما ترى قوة وكثرة، ولا سبيل إلى دفعها وسيأْتى إن شاء الله فصل النزاع فى هذه المسألة، والقول بموجب هذه الحجج الصحيحة كلها، على أن عادتنا فى مسائل الدين كلها دقها وجلها أن نقول بموجبها، ولا نضرب بعضها ببعض ولا نتعصب لطائفة على طائفة بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق ونخالفها فيما معها من خلاف الحق. لا نستثنى من ذلك طائفة ولا مقالة، ونرجو من الله أن نحيا على ذلك، ونموت عليه ونلقى الله به، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المذهب الرابع: أنهم فى منزلة بين المنزلتين بين الجنة والنار فإنهم ليس لهم إيمان يدخلون به الجنة ولا لآبائهم فوز يلحق بهم أطفالهم تكميلاً لثوابهم وزيادة فى نعيمهم، وليس لهم من الأعمال ما يستحقون به دخول النار.

وهذا قول طائفة من المفسرين قالوا: وهم أهل الأعراف. وقال عبد العزيز ابن يحيى الكنانى: "هم الذين ماتوا فى الفترة"، والقائلون بهذا إن أرادوا أن هذا المنزل مستقرهم أبداً فباطل، فإنه لا دار للقرار إلا الجنة أو النار، وإن أرادوا أنهم يكونون فيه مدة ثم يصيرون إلى دار القرار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015