وشرفهم إلا أن أهل السموات والأرض والطير فى الهواء يصلون عليهم ويستغفرون لهم ويدعون لهم، وولاة الظلم يلعنهم من بين السموات والأرض حتى الدواب والطير، كما أن معلم الناس الخير يصلى عليه الله وملائكته، وكاتم العلم والهدى الذى أنزله الله وحامل أهله على كتمانه يلعنه الله وملائكته ويلعنه اللاعنون، فيا لها من منقبة ومرتبة ما أجلها وأشرفها أن يكون الوالى والإمام على فراشه و [غيره] يعمل بالخير وتكتب الحسنات فى صحائفه فهى متزايدة ما دام يعمل بعدله، ولساعة واحدة منه خير من عبادة أعوام من غيره، فأين هذا من [صفه] الغاش لرعيته الظالم لهم [الذى] حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار.
ويكفى فى فضله وشرفه أنه يكف عن الله دعوة المظلوم كما فى الآثار: أيها الملك المسلط المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لتكف عنى دعوة المظلوم، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، فإنى لا أحجبها ولو كانت من كافر. فأين من هو نائم وأعين العباد ساهرة تدعو الله له، وآخر أعينهم ساهرة تدعو عليه؟
الطبقة السادسة: المجاهدون فى سبيل الله، وهم جند الله، الذين يقيم بهم دينه ويدفع بهم بأْس أعدائه ويحفظ بهم بيضة الإسلام ويحمى لهم حوزة الدين، وهم الذين يقاتلون أعداء الله ليكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هى العليا، قد بذلوا أنفسهم فى محبة الله ونصر دينه وإعلاءِ كلمته ودفع أعدائه، وهم شركاءُ لكل من يحمونه بسيوفهم فى أعمالهم التى يعملونها وإن [باتوا] فى ديارهم، ولهم مثل أُجور من عبد الله بسبب جهادهم وفتوحهم فإنهم كانوا هم السبب فيه.
والشارع قد نزل المتسبب منزلة الفاعل التام فى الأجر والوزر، ولهذا كان الداعى إلى الهدى والداعى إلى الضلال لكل منهما بتسببه مثل أجر من تبعه.
وقد تظاهرت آيات الكتاب وتواترت نصوص السنة على الترغيب فى الجهاد والحض عليه ومدح أهله والإخبار عما لهم عند ربهم من أنواع الكرامات والعطايا الجزيلات، ويكفى فى ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكَمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10] ، فتشوقت النفوس إلى هذه التجارة الرابحة التى الدال عليها رب [العالمين العليم] الحكيم فقال: {تُؤْمِنُون بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفَسِكُمْ} [الصف: 11] ، فكأن