{قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] ، فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه.
فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به: من حبيب أو حياة، أو مال، أو نعمة، أو ملك. يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة، فيظهر سرورها فى قلبه ومضرتها فى وجهه، فيصير له حال من حال أهل الجنة حيث لقّاهم الله نضرة وسروراً.
فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون، فهذا هو العلم الذى شمر إليه أولو الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب الخصائص والمكارم.
تلك المكارم لا قعبانِ من لبن ... شيباً بماءٍ [فماذا] بعد أبوالا
فصل
والمثال السابع: الخوف. قال أبو العباس: "هو الانخلاع عن طمأْنينة الأمن والتيقظ لنداءِ الوعيد، والحذر من سطوة العقاب. وهو من منازل العوام
أيضاً، وليس فى منازل الخواص خوف، لأنه لا أمان للغافل، إنما يعبد مولاه على وحشة من نظره، ونفرة من الأُنس به عند ذكره: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الشورى: 22] .
وأما الخواص أهل الاختصاص، فإنهم جعلوا الوعيد منه وعداً، والعذاب فيه عذباً لأنهم شاهدوا المبتلى فى البلاءِ، والمعذب فى العذاب، فاستعذبوا ما وجدوا فى جنب ما شاهدوا فى ذلك. قال قائلهم:
سقمى فى الحب عاقبتى ... ووجودى فى الهوى عدمي
وعذاب ترتضون به ... فى فمى أحلى من النعم
ومن كان مستغرقاً فى المشاهدة حل فى بساط الأُنس، فلا يبقى للخوف بساحته ألم. لأن المشاهد توجب الأُنس، والخوف يوجب القبض".
ثم ذكر حكاية المضروب الذى ضرب مائة سوط فلم يتألم لأجل نظر محبوبه إليه، ثم ضرب سوطاً فصاح لما توارى عنه محبوبه. قال: "وقد قيل فى قوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 26] ، دليل خطابه أن المؤمنين لهم عذاب ولكن ليس بشديد، وإنما كان عذاب الكافرين شديداً لأنهم لا يشاهدون المعذب لهم، والعذاب على شهود المعذب عذب، والثواب على الغفلة من المعطى صعب فالخوف إذاً من منازل العوام"