الوجوه إليه سبحانه، ثم قال: "وأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ"، فتضمن ذلك التزام شرعه وأَمره ودينه، وهو عهده الذى عهد إلى عباده، وتصديق وعده وهو جزاؤه وثوابه فتضمن التزام الأمر والتصديق بالموعود وهو الإيمان والاحتساب، ثم لما علم أن العبد لا يوفى هذا المقام حقه الذى يصلح له تعالى علق ذلك باستطاعته وقدرته التى لا يتعداها فقال: "ما استطعت" أى أَلتزم ذلك بحسب استطاعتى وقدرتى.
ثم شهد المشهدين المذكورين- وهما مشهد القدرة والقوة، ومشهد التقصير من نفسه- فقال:- "أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ"، فهذه الكلمة تضمنت المشهدين معاً، ثم أضاف النعم كلها إلى وليها وأهلها والمبتديء بها، والذنب إلى نفسه وعمله، فقال: "أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَى، وَأَبُوءُ بِذَنْبِى"، فأَنْتَ المحمود والمشكور الذى له الثناء كله والإحسان كله ومنه النعم كلها.
فلك الحمد كله ولك الثناءُ كله ولك الفضل كله، وأنا المذنب المسيء المعترف بذنبه المقر بخطئه كما قال بعض العارفين: العارف يسير بين مشاهدة المنة من الله، ومطالعة عيب النفس والعمل.
فشهود المنة يوجب له المحبة لربه سبحانه وحمده والثناءَ عليه ومطالعة عيب النفس والعمل يوجب استغفاره ودوام توبته وتضرعه واستكانته لربه سبحانه، ثم لما قام هذا بقلب الداعى وتوسل إليه بهذه الوسائل قال: "فَاغْفِرْ لِى فإِنه لا يغفر الذنوب إِلا أَنت".
ثم أصحاب هذا المشهد فيه قسمان: أحدهما من يشهد تسليط عدوه عليه وفساده إياه وسلسلة الهوى وكبحه إياه بلجام الشهوة، فهو أَسير معه بحيث يسوقه إلى ضرب عنقه وهو مع ذلك ملتفت إلى ربه وناصره ووليه، عالم بأن نجاته فى يديه وناصيته بين يديه وأَنه لو شاءَ طرده عنه وخلَّصه من يديه، فكلما قاده عدوه وكبحه بلجامه أكثر الالتفات إلى وليه وناصره والتضرع إليه والتذلل بين يديه، وكلما أراد اغترابه وبعده عن بابه تذكر عطفه وبره وإحسانه وجوده وكرمه وغناه وقدرته ورأْفته ورحمته فانجذبت دواعى قلبه هاربة إليه بتراميه على بابه منطرحة على فنائه، كعبد قد شدت يداه إلى عنقه وقدم لتضرب عنقه وقد استسلم للقتل، فنظر إلى سيده أمامه وتذكر عطفه ورأْفته به ووجد فرجة فوثب إليه منها وثبة طرح نفسه بين يديه ومد له عنقه وقال: