للقضاء بين عباده فراراً من تشبيهه بالأجسام فقد شبهه بالجماد الذى لا يتصرف ولا يفعل ولا يجيء ولا يأْتى ولا ينزل، ومن نزهه عن أن يفعل لغرض أو حكمة أو لداع إلى الفعل حذراً من تشبيهه بالفاعلين لذلك فقد شبهه بأهل السفه والعبث [الذين] لا يقصدون بأفعالهم غاية محمودة ولا غرضاً مطلوباً محبوباً، ومن نزهه عن خلق أفعال عباده وتصرفه فيهم بالهداية والإضلال وتخصيص من شاءَ منهم بفضله أو منعه لمن شاء حذراً من الظلم بزعمه فقد وصفه بأقبح الظلم والجور حيث يخلد فى [أطباق] النيران من استنفد عمره كله فى طاعته إذا فعل قبل الموت كبيرة واحدة فإنها تحبط جميع تلك الطاعات وتجعلها هباءً منثوراً، ويخلد فى جهنم مع الكفار ما لم يتب منها، إلى غير ذلك من أصولهم الفاسدة: {فَهَدى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وَاللهُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213] .
"قاعدة": كمال العبد وصلاحه يتخلف عنه من إحدى جهتين: إما أَن تكون طبيعته يابسة قاسية غير لينة منقادة ولا قابلة لما به كمالها وفلاحها، وإما أن تكون لينة منقادة سلسة القياد، لكنها غير ثابتة على ذلك، بل سريعة الانتقال عنه كثيرة التقلب، فمتى رزق العبد انقياداً للحق وثباتاً عليه فليبشر، فقد بشر بكل خير وذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ.
"قاعدة": إذا ابتلى الله عبده بشيء من أَنواع البلايا والمحن فإن رده ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه فهو علامة سعادته وإرادة الخير به. والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فتقلع عنه حين تقلع وقد عوض منها أجلّ عوض وأفضله، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شارداً عنه، وإقباله عليه بعد أن كان نائباً عنه وانطراحه على بابه بعد أن كان معرضاً، وللوقوف على أبواب غيره متعرضاً.
وكانت البلية فى حق هذا عين النعمة، وإن ساءَته وكرهها طبعه ونفرت منها نفسه فربما كان مكروه النفوس إِلى محبوبها سبباً ما مثله سبب وقوله تعالى فى ذلك هو الشفاءُ والعصمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيئاً وَهُوَ شَر لَكُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] ، وإِن لم يرده ذلك البلاءُ