الإمام الشاطبي في كتابيه الموافقات والإعتصام اللذين كَانَا ثمرة المعاناة التي عاشها هو ذاته في الصراع مع تيار التعصب المذهبي المذموم والإبتداع، وقد حكى طرفًا من ذلك في كتاب الموافقات ومقدمة الإعتصام.
إشكالية البحث:
مع التسليم بأهمية البُعْد المقاصدي في الإجتهاد، وضرورة إنضاج المعالم الأساسية لنظرية المقاصد، يبقى السؤال: كيف نتعرّف على مقاصد الشارع؟ ما المسالك والأدوات المنهجيّة التي ينبغي استخدامها لتحديد مقاصد الشارع التي تشكَّلُ بعد ذلك أسس وضوابط الإجتهاد؟ ثمّ بعد معرفة هذه المسالك، ما السبيل إلى تنزيلها على الواقع لإستخراج المقاصد الشرعية بأنواعها: العامة والخاصة، والكلية والجزئية؟ كيف استخدمها الفقهاء والأصوليون في اجتهاداتهم، كيف يمكن أن نستخدمها اليوم؟ وبناءً على أهمية هذا الموضوع ومحوريّته في نظرية المقاصد فإنه في حاجة إلى مزيد من الدراسة والتحليل؛ ذلك أن نظرية المقاصد لا يكتمل بناؤها، ولا تؤتي ثمرتها تنزيلاً على الواقع إلّا إذا حُدّدت تلك المسالك والوسائل المنهجية التي يستخدمها المجتهد في استخراج مقاصد الشارع التي تكون هاديًا له في اجتهاده.
أهمية الموضوع:
لم يكن الإمام الشاطبي مخالفًا لسلفه من العلماء عندما جعل العلم بمقاصد الشريعة والإحاطة بها، ثُمّ القدرة على تنزيلها على الواقع. خلاصة الشروط الواجب توفرها في المجتهد، ذلك أنهم فَصَّلُوا فعدَّدُو الوسائل التي يُعِينُ توفرُها المجتهدَ على تحصيل إمكانية فهم النصوص وإدراك مقاصد الشارع منها والإحاطة بها، وتجاوز الشاطبي التفاصيل، وصوَّب نظره إلى الجوهر, فلخّص شروط المجتهد في الإتصاف بوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، والثاني: التمكن من الإستنباط بناءً على فهمه فيها. (?)