من المتفق عليه بين العلماء المسلمين أن الأحكام الشرعية إنما شُرعت لتحقيق مقاصد سامية، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، وأنه ينبغي على المجتهد تحرّي هذه المقاصد في ممارسته الإجتهاد، والإفتاء على مقتضى ما يوافقها ويخدمها.
ولم يكن الصحابة - رضي الله عنهم - في حاجة إلى تدوين علم أصول الفقه وضبط مباحثه والكتابة في مقاصد الشريعة والبحث فيها، وذلك لأمرين:
الأول: أنهم عايشوا طور التشريع، وليس من عايش كمن سمع، فمعايشة صدور النص التشريعي يعني معايشة المقام الذي صدر فيه ذلك النص والظروف والملابسات التي أحاطت به، وذلك يكاد يكون كافيًّا في إدراك مقصد الشارع من ذلك النص أو الفعل النبوي، وتظهر أهمية المعايشة في خفاء مقصد الشارع من بعض النصوص وأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - على من لم يعايشها منهم، ولكن من كانت حاله كذلك منهم كان يتدارك الأمر بالإستفسار ممن شهد وعايش، ومن أخطأ منهم في فهم مقصد من المقاصد بسبب غياب عنصر المشاهدة، استدرك عليه من شهد ذلك كما هو معلوم فيما استدرك الصحابة بعضهم على بعض.
الثاني: سلامة اللسان وسعة الإطلاع على مقاصد العرب من كلامها.
فإن أشكل عليهم أمر بعد هاتين الميزتين لجؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - للإستفسار منه.
وكذلك كان التابعون لِمَا وَرِثُوُه من علم الصحابة، فضلًا عن أنهم كانوا ما زالوا على قدر كبير من سلامة اللسان وصفاء القريحة، فأحاطوا بكليات الدين ومبادئه العامة ومقاصده الكلية، وإن غاب عن بعضهم شيء من نصوص السنّة أو لم يصلهم من طريق تصحّ به الرواية.