بأن الأمر حقيقة في الإيجاب والنهي حقيقة في التحريم ولا يصرفان عنهما إلّا بقرائن صارفة.
وقد استدلّ الشاطبي على كون الأمر الصريح والنهي الصريح يفيدان بظاهريهما قصدُ الشارع إلى إيقاع المأمور به، واجتناب المنهي عنه، أن الأمر والنهي كلاهما يستلزم أمرين:
الأول: الطلب، أي طلب فعل المأمور به، أو طلب ترك المنهي عنه.
الثاني: الإرادة (?)، أي إرادة إيقاع المأمور به، وإرادة عدم إيقاع المنهي عنه، والدليل على ذلك:
1 - أن جوهر الأمر أو النهي ومقتضى كلّ منهما القصدُ إلى إيقاع المطلوب أو عدم إيقاع المنهي عنه، فالقول بعدم قصد الآمر أو الناهي مقتضى كلّ منهما تجريد لهما عن جوهرهما، وفي ذلك يقول: "الأمر بالمطلقات يستلزم قصد الشارع إلى إيقاعها، كما أن النهي يستلزم قصده لترك إيقاعها؛ وذلك أن معنى الأمر والنهي اقتضاء الفعل واقتضاء الترك، ومعنى الإقتضاء الطلب، والطلب يستلزم مطلوبًا والقصدَ لإيقاع ذلك المطلوب، ولا معنى للطلب إلّا هذا". (?)
2 - كما أن تجريد الأمر أو النهي عن مقتضى كلّ منهما بِتَصَوُّرِ وُرُودِ أمرٍ مع تَصَوُّرِ القصد لعدم إيقاع المأمور به، وأن يَرِدَ نهي مع القصد لإيقاع المنهي عنه يُخْرِجُ الأمر عن كونه أمرًا، والنهي عن كونه نهيًا، ويُذهب لكلّ منهما خاصته التي تميزه عن غيره من صيغ التكليف ومراتبه، وبذلك يصح أن يصير الأمر نهيًا أو إباحة أو كراهة، وبالعكس، وهذا محال، فلزم المحافظة على مقتضى كلّ صيغة من صيغ