وانطلاقًا من هذا المفهوم يتبيّن أن كلّ النصوص والأحكام الواردة في السماحة، واليسر، والاعتدال، والتوسط، ورفع الحرج، وأضدادها تدخل ضمن الجزئيات المستقرأة. ثم استعرض في ذلك أهم الآيات والأحاديث الواردة في كل وصف من هذه الأوصاف، (?) ليخلص إلى القول: "واستقراء الشريعة دلّ على أن السماحة واليسر من مقاصد الدين". (?)
3 - تحديد المقصد العام من الشريعة: وهو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح الإنسان، وهو المقصد الذي يُعبَّر عنه عادة بحلب المصالح ودرء المفاسد.
وقد قسم ابن عاشور الأدلة المستقرأة في ذلك إلى أنواع:
أ - أدلة كلية صريحة في أن مقصد الشريعة الإصلاح وإزالة الفساد، من أمثال قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، وقوله: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 85]، وقوله: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]، إلى غير ذلك من الآيات. ومن الأحاديث حديث أبي عمرة الثقفي أنه قال: "قُلْتُ يا رَسُولَ الله قُلْ ليِ فِي الإِسْلاَمَ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ، قَالَ: "قُلْ آمَنْتُ بالله ثُمَّ اسْتَقِمْ"، (?)
ب - أدلة كلية، لكنها تدلّ على هذا المقصد إيماءً لا صراحة. ومن ذلك الأدلة التي "جاءت دالّة على أن صلاح الحال في هذا العالم مِنَّة كبرى يمنُّ الله بها على الصالحين من عباده جزاءً لهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)} [الأنبياء: 105 - 106]،