تخطي الحدود المشروعة والوصول إلى الإضرار بنفسه أو بالآخرين، فتأتي الشريعة لتكبح من جماحه، وتخفف من غلواء شهواته، فتضع الضوابط التي ينبغي على الإنسان أن ينضبط بها، والحدود التي لا يحلّ له أن يتخطاها.

لذلك فإنما سكوت الشارع في مجال المعاملات لا يُعدّ قصداً إلى منع الزيادة على الواقع أو الإنقاص منه، إذْ إن قصد الشارع في هذا المجال ليس هو الإقتصار على ما كان موجوداً من معاملات، وإنما هو قاصد بالدرجة الأولى إلى ضبط وتقنين معاملات الناس بما يوافق أحكام الشريعة ومقاصدها، في حين يُعدّ سكوت الشارع في العبادات دليلاً على قصده إلى عدم الزيادة على ما شرعه أو النقصان منه، فيكون الأصل في العبادات الإكتفاء بما شرعه الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو المعنيّ بقول الرسو - صلى الله عليه وسلم - "وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بدْعَةٌ وَكُلُّ بدْعَةٍ ضَلاَلَةُ وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ". (?)

هل السكوت وحده دليل التوقيف في العبادات؟

وبناءً على ما سبق يتبيّن عند التحقيق أن سبب عدم جواز الزيادة على ما شُرِع من العبادات أو الإنقاص منه ليس هو سكوت الشارع لوحده، وإنما هو ما يبنى عليه ذلك السكوت من أن الأصل في العبادات التوقيف وأن الشارع قاصد إلى التفرّد بالتشريع فيها، ومنع أي إنشاء أو ابتداع من قِبل خلقه. فبناءً على هذا الأصل يتقرر كون سكوت الشارع دليلاً على الإكتفاء بما شرعه.

ويرى الشاطبي أن العمل في المسكوت عنه في الأمور العبادية هو الإقتصار على ما ورد في زمن التشريع من غير زيادة حتى وإن كان إطلاق الأدلة لا ينفيها، لأن إطلاق تلك الأدلة يتقيد بالعمل، أي عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمل الصحابة والسلف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015