النوع الثالث: التعليل بمعناه الخاص، وهو التعليل القياسي عند الأصوليين؛ أي وجود علة صالحة لأن تُتخذ أساساً للقياس، مع إمكان التعرف عليها بمسلك من مسالك العلة المذكورة عندهم. وهذا النوع من التعليل محلّ اتفاق بين القائلين بالقياس، وهو الذي يقع فيه التَّفريق بين العبادات والمعاملات، وسيأتي بيانه فيما بعد.
ثانياً: خفاء علل كثير من العبادات:
فالأحكام الشرعية غير العبادات معللة ومعقولة المعنى إلّا ما ندر، أما العبادات، فمع الإقرار بكونها إنما شُرعت لحِكَم ومقاصد أرادها الشارع الحكيم، إلّا أنّ كثيرًا منها مما يخفى على العقول معناه. (?) فربما من هذا الباب نسبت إلى عدم التعليل. ولكن ينبغي التنبيه هنا على أن عدم معرفة الشيء والإطلاع عليه لا يعني عدمه، فعدم إدراكنا لحِكَم وعلل بعض الأحكام لا يعني كونها غير معللة، بل ذلك إما لقصور عقولنا، أو لحِكْمة أرادها الله تعالى من حجب ذلك العلم عنا.
ثالثاً: مقصود الأصوليين والفقهاء من قاعدة التعليل في العبادات والمعاملات:
لعل التعبير بأن الأصل في العبادات عدم التعليل، والأصل في المعاملات التعليل، تعبير غير دقيق، (?) وأن الأدق والأضبط هو ما ذهب إليه الشاطبي من أن "الأصل في العبادات بالنسمبة إلى المكلف التعبد، دون الإلتفات إلى المعاني. والأصل في العادات الالتفات إلى المعاني". (?)
وقد تضمنت قاعدة الشاطبي هذه ثلاثة عناصر كفيلة بتجلية الغموض الذي يكتنف مسألة التعليل في العبادات ويرفع النزاع حولها.