واختلف الهاشمي وابن الزيات، فاعتقل الأول، وسجن مع جماعة من أتباعه ولكنه تمكن من الهرب، ولجأ إلى سيف الدولة، ثم عاد إلى طرسوس في غياب ابن الزيات للجهاد، وحاول أن يخلص أصحابه، فهاجمه عامة الناس، وقبضوا عليه، وسلّمه لابن الزيات عندما عاد، فسجنه. ويقال أن صاحب البحر في طرسوس الذي تولى نقله إلى سجنه، قتله.
استغل الروم أحداث طرسوس هذه، ولجأ ملكهم نقفور إلى المكر والخديعة وأظهر لسيف الدولة مقاربته، وراسله لتقرير شروط الهدنة، فركن سيف إلى قوله وراسل أهل طرسوس طالباً منهم الدخول فيما سيعقد مع الروم من شروط. وكان نقفور يصلح أموره، ويجمع رجاله. وأتت عيون ابن الزيات بأخبار مكر الروم، وأن نقفور يجمع بطارقته ومن أمكنه من نصارى أوربا1، وما تأخره في الهجوم إلا انتظارا لتفرّق من قصد طرسوس من الغزاة، وخروج من كان يريد الحج من أهل الثغور. فجمع ابن الزيات أهل طرسوس وأخبرهم، فاختلفت الآراء في خروجه لمقابلة الروم في عين زربة، وخرج من طرسوس بمن تبعه، وهم ألف فارس، ونفر معه أهل المصيصة وكان عددهم قليلاً، حيث كان فرسانهم استشهدوا مع هرون الثملي في فتح الهارونية. وعند المصيصة وردته أخبار تحرك جيش الروم باتجاهه، فأمر من معه أن يخلفوا أثقالهم، وبغالهم بالمصيصة، وتقدم بعدد قليل من رجاله ومن أهل المصيصة (نحو خمسمائة فارس وثلاثمائة وثمانين راجل) . فتوجه لهم الدمستق بأمر نقفور في جيش كبير، وأشار جماعة على ابن الزيات بعدم مواجهة القوات الرومية الكثيرة، والاعتصام منها ببعض الجبال القريبة، لكنه رفض، وأظهر ومن معه من المسلمين بطولة عظيمة، وسقط من الشهداء خمسمائة بين فارس وراجل، بينهم أخو ابن الزيات. وتراجع الباقون إلى مدن الثغور. في حين تقدم الروم وحاصروا عين زربة التي استسلمت للروم، وكان استسلامها كارثة بالفعل وصفها ابن مسكويه2، وصاحب العيون والحدائق3، فقد أطلق نقفور لأصحابه نهب المدينة، ودخل ببطارقته إلى الجامع بخيلهم، ورجاهم، وصعد نقفور على منبرها، وبدل الآذان بضرب الناقوس، ووضعت المصاحف تحت الأقدام، ورفعت فيه الصلبان. وطلب نقفور خمرا في عين زربة، فلم يجد فيها جرعة، لطهارة من حلان يسكنها على حدّ تعبير صاحب العيون والحدائق.