وَكَانَ وحيد عصره ومقرىء مصره وفريد دهره فِي بَلَده لجمعه لفنون شَتَّى من أَنْوَاع الْعُلُوم
اتَّفقُوا على أَنه لم يكن فِي زَمَنه بِصَنْعَاء وذمار وصعدة وَغَيرهَا من تِلْكَ الْجِهَات الْعليا من يماثله ويدانيه فِي علم الْقرَاءَات السَّبع وصنف فِي ذَلِك كتابا حافلا سَمَّاهُ فكاهة الْبَصَر والسمع فِي معرفَة الْقرَاءَات السَّبع وَجعله فِي ثَلَاثَة مجلدات كبار وَألف كتابا مُخْتَصرا فِي قِرَاءَة نَافِع وَأبي عَمْرو ووفدت عَلَيْهِ طلبة الْعلم من جِهَات شَتَّى فأفادهم الْفَوَائِد السّنيَّة
وَكَانَ قد يخْطب فَإِذا وعظ كَانَ كمن لانت لَهُ صم الصخور وأذهب كَلَامه كل زيغ فِي الصُّدُور بِلَفْظ مُوَافق لعقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَخْبرنِي وتلفظ لي وأشهدني أَنه شَافِعِيّ الْمَذْهَب يعْتَقد مَا يَعْتَقِدهُ أهل السّنة وَيُخَالف مَا عَلَيْهِ أهل الْبِدْعَة وَغَيرهم
وَكَانَ قد يضْطَر إِلَى موافقتهم فِي اعْتِقَادهم تقية مِنْهُم
وَله فِي علم التصوف مجَال ممتد وَمَكَان مُعْتَد
وَكَانَت طَائِفَة من أهل وصاب مِنْهُم بَنو البعيثي وَأهل قطرهم وَجَمَاعَة من غَيرهم يَعْتَقِدُونَ أَنه قطب الْوُجُود وبركة كل مَوْجُود وَكَانُوا يؤدون إِلَيْهِ زكاتهم وفطرتهم ويأتمرون بأَمْره وينتهون لنَهْيه ويتبركون بمواقع أنامله وَلما كفى الله هَذَا المقرىء جمال الدّين شَرّ الزيدية قَالَ بَيْتَيْنِ متمثلا بهما
(وَإِنِّي لمن قوم إِذا لبس الورى ... دروعا وجالوا فِي ظبا وأسنة)
(لباسهم الذّكر الْحَكِيم لبأسهم ... فهم فِي حمى حدي كتاب وَسنة)
وَقيل إِن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لغيره وَإِنَّمَا أَتَى بهما متمثلا وَحكي عَنهُ كرامات ذكرتها فِي الأَصْل
توفّي هَذَا المقرىء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثمانمئة فِي دولة الإِمَام النَّاصِر بن مُحَمَّد وَقد كَانَ مكرما لَهُ مفوضا إِلَيْهِ كِتَابَة الْإِنْشَاء وَأمر الْوَقْف والوصايا ففاق أهل زَمَانه برسائله المبهجة وَكَلَامه المسجوع رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وبعلومه