وَكَانَ لَهُ خَمْسَة أَوْلَاد اشْتهر مِنْهُم اثْنَان أَحدهمَا الْفَقِيه الْعَلامَة الرحالة عبد القدوس كَانَ فَقِيها مجودا قَرَأَ على بعض أَهله وعَلى غَيرهم وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَهُوَ الْأَكْبَر من أَوْلَاد أَبِيه
وَالثَّانِي هُوَ القَاضِي الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز وَكَانَ إِمَامًا عَاملا عَالما فَقِيها ذكيا ورث الْفَضَائِل من آبَائِهِ الأفاضل وفَاق أهل وقته بِحسن الْأَخْلَاق وَالشَّمَائِل تفقه على بعض أهل بَلَده ثمَّ ارتحل إِلَى شنين فِي بلد السحول فَقَرَأَ على الإِمَام رَضِي الدّين أبي بكر عمر الأصبحي الشنيني حَتَّى انْتفع فَأجَاز لَهُ فَعَاد إِلَى بَلَده فدرس وَأفْتى وَأَحْيَا مآثر أَهله وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي بَلَده وَكَانَ مَقْصُودا للمهمات مكرما للضيف شَاعِرًا مُولَعا بِكَثْرَة التَّزْوِيج حكى بعض أَهله أَنه تزوج امْرَأَة سَحْمَاء فَقَالَ على صفة المزاح شعرًا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعَامَّة من ذَلِك قَوْله
(حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم ... وأجريت أحكامي وَمَا جرت فِي حكمي)
وَهِي قدر اثْنَي عشر بَيْتا وَذَلِكَ مُثبت فِي الأَصْل فَلَمَّا وقفت الزَّوْجَة على هَذِه القصيدة واشتهرت بوصاب وتناقلتها الألسن سَاءَ ذَلِك السحماء زَوجته فَأرْسلت لجَماعَة من النِّسَاء فاجتمعن إِلَيْهَا ثمَّ دخلن على القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى مجْلِس كتبه الَّذِي يَخْلُو فِيهِ للتدريس والتأليف فَلَمَّا رآهن قَالَ لامْرَأَته مَا بالكن فَقَالَت أَتَيْنَا لنخاصمك على قصيدتك الَّتِي قلت فِيهَا حكمت بِأَن الْبيض خير من السحم فَقَالَ الذَّنب هَين فَقُلْنَ مَا نتحول من مَكَاننَا حَتَّى تنَاقض هَذِه القصيدة فَكتب مَا مِثَاله مناقضا لقَوْله الأول
(أيا مادحا للبيض من غير مَا علم ... وَيَا مُعْلنا للسحم بالسب والذم)