للمبايعة، ثم يبايع السّلطان بعده، ثم يبايع القضاة، ولما مرّت جنازته من تحت القلعة ورأى الملك الظاهر كثرة الخلائق، قال لبعض خواصّه: اليوم استقرّ أمري في الملك؛ لأن هذا الرجل لو كان يقول للناس: أخرجوا عليه، لانتزعوا الملك منّي.
وشهد رحمه الله واقعة الفرنج لما أخذوا دمياط ووصلوا في مراكبهم إلى المنصورة، واستظهروا على المسلمين، فقويت الرّيح على مراكب المسلمين واشتد الأمر، فنادى الشيخ بأعلى صوته وأشار إلى الريح بيده: يا ريح خذيهم مرارا، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثر الفرنج وصرخ من بين المسلمين صارح: الحمد لله الذي أرانا من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم رجلا سخّر له الرّيح.
وكان الملك الأشرف موسى بن العادل، لما أخذ دمشق وبها يومئذ الشيخ عز الدين، وشيء به إليه أنه يخالفه في المعتقد، وكان الشيخ رحمه الله رأسا في مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعريّ، وكان الأشرف على خلاف الأشعريّ، فدسّ أعداؤه عليه فتوى في مسألة الكلام فكتب عليها العقيدة المشهورة، وهي طويلة تشتمل على طريقة أبي الحسن الأشعريّ، ووضع فيها من الحنابلة وغض منهم، فلما وقف عليها الأشرف اشتد غضبه ووقع في حق الشيخ بعظيمة، وكان عنده جمع من الفقهاء فلم يستطيعوا أن يردوا قوله سوى [بعض الأعيان (?)] فإنه قال: السلطان أولى بالعفو والصّفح، فكثرت القالة، وقام الشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب في حق الشيخ عز الدّين، ومضى إلى القضاة والعلماء الذين حضروا مجلس الأشرف وعتبهم على سكوتهم، وما زال بهم حتى كتبوا خطوطهم على فتوى بصورة الحال وافقوا