قَالَ القَاضِي يَا هَذَا قد أعيتني مضاءة جنانك وذرابة لسَانك وأخذك عَليّ الْحجَج من كل وَجه وأتيت بِأَلْفَاظ كَأَنَّهَا لسع العقارب أقِم هَا هُنَا حَتَّى أمضي إِلَى الْبُسْتَان وأتوارى بالجدران وأنزع ثِيَابِي هَذِه وأدفعها إِلَى صبي غير بَالغ تنْتَفع بهَا أَنْت وَلَا أنهتك أَنا وَلَا تجْرِي على الصَّبِي حُكُومَة لصِغَر سنه وَضعف منته
قَالَ اللص يَا إِنْسَان قد أطلت المناظرة وَأَكْثَرت المحاورة وَنحن على طَرِيق ذِي غرر وَمَكَان صَعب وعر وَهَذِه المراوغة لَا تنْتج لَك نفعا وَأَنت لَا تَسْتَطِيع لما أرومه مِنْك دفعا وَمَعَ هَذَا أفتزعم أَنَّك من أهل الْعلم وَالرِّوَايَة والفهم والدراية ثمَّ تبتدع وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (الشَّرِيعَة شريعتي وَالسّنة سنتي فَمن ابتدع فِي شريعتي وسنتي فَعَلَيهِ لعنة الله)
قَالَ القَاضِي يَا رجل وَمَا هَذَا من الْبدع
قَالَ اللص اللصوصية بنسيئة بِدعَة انْزعْ ثِيَابك فقد أوسعت من سَاعَة محالك وَلم أشدد عقالك حَيَاء من حسن عبارتك وَفقه بلاغتك وتقلبك فِي المناظرة وصبرك تَحت المخاطرة
فَنزع القَاضِي ثِيَابه وَدفعهَا إِلَيْهِ وَأبقى السَّرَاوِيل
فَقَالَ اللص انْزعْ السَّرَاوِيل كي تتمّ الخلعة
قَالَ القَاضِي يَا هَذَا دع عَنْك هَذَا الاغتنام وامض بِسَلام فَفِيمَا أخذت كِفَايَة وخل السَّرَاوِيل فَإِنَّهُ لي ستر ووقاية لَا سِيمَا وَهَذِه صَلَاة الْفجْر قد أزف حُضُورهَا وأخاف تفوتني فأصليها فِي غير وَقتهَا وَقد قصدت أَن أفوز بهَا فِي مَكَان يحبط وزري ويضاعف أجري وَمَتى منعتني من ذَلِك كنت كَمَا قَالَ الشَّاعِر