إحداها: أرض زكية قابلة للشراب والنبات، فإذا أصابها الغيث ارتوت ومنه يثمر النبت من كل زوج بهيج.

فذلك مثل القلب الزكي الذكي، فهو يقبل العلم بذكائه فيثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه، فهو قابل للعلم مثمر لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.

والثانية: أرض صلبة قابلة لثبوت ما فيها وحفظه، فهذه تنفع الناس لورودها والسقي منها والازدراع.

وهو مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه، فهو يحفظه للحفظ المجرد فهو يؤدي كما سمع وهو من القسم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه" 1.

والأرض الثالثة: أرض قاع وهو المستوي الذي لا يقبل النبات ولا يمسك ماء، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع منه شيئاً، فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم والفقه والدراية، وإنما هو بمنزلة الأرض البور التي لا تنبت ولا تحفظ.

فالصنف الأول من الناس: عالم معلم، وداع إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرسل وهذا الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من فقه في دين الله ونفعه الله به فعلم وعلم".

والصنف الثاني: من أوتي الذكاء وحرم الزكاء فهو بذكائه حفظ ونقله لغيره.

والصنف الثالث: لا هذا ولا هذا، فهو قد حُرِمَ الذكاء والزكاء، فهو لذلك لم يقبل هدى الله، ولم يرفع به رأساً.

فاسْتَوْعَبَ الحديثُ أصناف الناس في مواقفهم من العلم الشرعي؛ فيعلم من الحديث السابق أن طالب العلم لابد له من أمرين متلازمين لأجل تحصيل العلم وهما الذكاء والزكاء.

فلابد له من زكاء نفس وصلاح سريرة واستقامة دين من أجل أن يحمله ذلك على:

1- إخلاص القصد وإصلاح النية في طلب العلم.

2- كبح جماح الشهوة والغفلة المانعتين من طلب العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015