367- فصل: من حيل إبليس
1626- رأيت إبليس قد احتال بفنون الحيل على الخلق، وأمال أكثرهم عن العلم الذي هو مصباح السالك، فتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل، وشغلهم بأمور الحس1، [فهم يحسنون ما يحسنه الحس] ، ولا يلتفتون إلى مشورة العقل؛ فإذا ضاق بأحدهم عيشه، أو نكب، اعترض فكفر: فمنهم من ينسب ذلك غلى الدهر، ومنهم من يسب الدنيا! وهذا تسفيف2؛ لأن الدهر والدنيا لا يفعلان؛ وإنما هو عيب للمقدر. ومنهم من يخرجه الأمر إلى جحد الحكمة، فيقول: أي فائدة في نقص المبنى؟!
1627- وزعم بعضهم أنه لا يتصور عود المنقوض، وأنكروا البعث، ويقولون: ما جاء من ثم أحد! ونسوا أن الوجود ما انتهى بعد، ولو خلفنا3؛ لصار الإيمان بالغيب عيانًا، ولا يصلح أن يستدل على الإحياء بالأحياء.
1628- ثم نظر إبليس، فرأى في المسلمين قومًا فيهم فطنة، فأراهم أن الوقوف على ظواهر الشريعة حالة يشاركهم فيها العوام، فحسن لهم علوم الكلام، وصاروا يحتجون بقول بقراط4 وجالينوس وفيثاغورس5!!
وهؤلاء ليسوا بمتشرعين، ولا تبعوا نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وإنما قالوا بمقتضى ما سولت لهم أنفسهم.