منه، ويلزم منه الحركة، وكل ذلك محال على الحق عز وجل.
1618- وأما في الفروع: فكما يروى عن داود1: أنه قال في قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه" 2، فقال: إن بال غيره؛ جاز!! فما يفهم المراد من التنجيس، بل يأخذ بمجرد اللفظ!! وكذلك يقول: لحم الخنزير حرام: لا جلده!! نعوذ بالله من سوء الفهم.
1619- وكذلك يتفاوت الشعراء الذين شغلهم التفطن لدقائق الأحوال: كقول قائلهم3:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دَمَا
والجفنات عدد يسير، فلو قال: الجفان؛ لكان أبلغ! ولو قال: بالدجى، لكان أحسن! ويفطرن دليل على القلة. وكذلك قول القائل4:
همها العطر والفراش، ويعلو ... ها لجين ولؤلؤ منظوم
وهذا قاصر؛ فإنه لو فعلت هذا سوداء، لحسنها؛ إنما المادح هو القائل5:
ألم ترياني كلما جئت طارقًا ... وجدت بها طبيبًا وإن لم تطيب
وكذا قول القائل:
أدعوا إلى هجرها قلبي فيتبعني ... حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
ولو كان صادقًا في المحبة لما كان له قلب يخاطبه، وإذا خاطبه في الهجر، لم يوافقه؛ إنما المحب الصادق هو القائل:
يقولون: لو عاتبت قلبك لارعوى ... فقلت: وهل للعاشقين قلوب؟
ومثل هذا إذا نوقش كثير؛ فأقل موجود في الناس الفهم والغوص على دقائق المعاني.