1573- وقد كنت أرجو مقامات الكبار، فذهب العمر، وما حصل المقصود!!
فوجدت أبا الوفاء ابن عقيل قد ناح نحو ما نحت، فأعجبتني نياحته، فكتبتها ها هنا، قال لنفسه:
يا رعناء! تقومين الألفاظ ليقال: مناظر وثمرة هذا أن يقال: يا مناظر! كما يقال للمصارع: الفاره1.
ضيعت أعز الأشياء وأنفسها عند العقلاء -وهي أيام العمر- حتى شاع لك بين من يموت غدًا اسم مناظر، ثم ينسى الذاكر والمذكور إذ درست2 القلوب! هذا إن تأخر الأمر إلى موتك؛ بل ربما نشأ شاب أفره منك، فموهوا له، وصار الاسم له. والعقلاء عن الله تشاغلوا بما إذا انطووا نشرهم3، وهو العمل بالعلم، والنظر الخالص لنفوسهم.
أف لنفسي! وقد سطرت عدة مجلدات في فنون العلوم4، وما عبق بها فضيلة، إن نوطرت، شمخت، وإن نوصحت؛ تعجرفت، وإن لاحت الدنيا؛ طارت إليها طيران الرخم5، وسقطت عليها سقوط الغراب على الجيف، فليتها أخذت أخذ المضطر من الميتى توقر6 في المخالطة عيوبًا تبلي، ولا تحتشم نظر الحق إليها، وإن انكسر لها غرض؛ تضجرت، إن أمدت7 بالنعم؛ اشتغلت عن المنعم!!
أفٍ والله مني، اليوم على وجه الأرض، وغدًا تحتها! والله، إن نتن جسدي بعد ثلاث تحت التراب أقل من نتن خلائقي وأنا بين الأصحاب!
والله، إنني قد بهرني حلم هذا الكريم عني، كيف يسترني8، وأنا أتهتك،