صيد الخاطر (صفحة 62)

قومٍ، وقال: حملني شهوة الحديث، وهذا؛ لأنه كان يكتب عن الضعفاء والمتروكين، فكأنه لما عسر عليه التمييز، أوصى بدفن الكل. وكذلك من كان له رأي من كلامه، ثم رجع عنه، جاز أن يدفن الكتب التي فيها ذلك. فهذا وجه التأويل للعلماء.

76- فأما المتزهدون الذين رأوا صورة فعل العلماء، ودفنوا كتبًا صالحةً، لئلَّا تشغلهم عن التعبد، فإنه جهل منهم؛ لأنهم شرعوا في إطفاء مصباح يضيء لهم، مع الإقدام على تضييع مال لا يحل تضييعه.

77- ومن جملة من عمل بواقعة دفن كتب العلم يوسف بن أسباط1، ثم لم يصبر عن التحديث، فخلط، فعد في الضعفاء.

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك2، قال: أخبرنا محمد بن المظفر الشامي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: حدثنا يوسف بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عمرو العقيلي3، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: أخبرنا أحمد بن خالد الخلال، قال: سمعت شعيب بن حرب4 يقول: قلت ليوسف بن أسباط: كيف صنعت بكتبك؟ قال: جئت إلى الجزيرة، فلما نضب الماء دفنتها، حتى جاء الماء عليها فذهبت. قلت: ما حملك على ذلك؟ قال: أردت أن يكون الهمُّ همًّا واحدًا.

قال العقيلي: وحدثني آدم: قال: سمعت البخاري5، قال: قال صدقة: دفن يوسف بن أسباط كتبه، وكان بعد يغلب عليه الوهم، فلا يجيء كما ينبغي.

78- قال المؤلف: قلت: الظاهر أن هذه كتب علم ينفع؛ ولكن قلة العلم أوجبت هذا التفريط، الذي قصد به الخير، وهو شر، فلو كانت كتبه من جنس كتب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015