صيد الخاطر (صفحة 123)

فروي عن بعض القدماء أنه قال لرجل: يا أبا الوليد! إن كنت أبا الوليد! يتورع أن يكنيه ولا ولد له! ولو أوغل هذا في العلم، لعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كَنَّى صهيبًا أبا يحيى1، وكنَّى طفلًا [فقال] : "يا أبا عُمَيْرٍ! ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " 2.

213- وقال بعض المتزهدين: قيل لي يومًا: كل من هذا اللبن! فقلت: هذا يضرني. ثم وقفت بعد مدة عند الكعبة، فقلت: اللهم! إنك تعلم أني ما أشركت بك طرفة عين. فهتف بي هاتف: ولا يوم اللبن؟!

وهذا لو صح؛ جاز أن يكون تأديبًا له؛ لئلا يقف مع الأسباب ناسيًا للمسبب، وإلا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى الآن قطعت أبهري" 3، وقال: "ما نفعني مال كمال أبي بكر" 4.

214- ومن المتزهدين أقوام يرون التوكل قطع الأسباب كلها، وهذا جهل بالعلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل الغار5، وشاور الطبيب6، ولبس الدرع7، وحفر الخندق8، ودخل مكة في جوار المطعم بن عدي، وكان كافرًا9، وقال لسعد: "لأن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".

فالوقوف مع الأسباب مع نسيان المسبب غلط، والعمل على الأسباب مع تعلق القلب بالمسبب هو المشروع، وكل هذه الظلمات إنما تقطع بمصباح العلم، ولقد ضل من مشى في ظلمة الجهل، أو في زقاق الهوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015