صيد الخاطر (صفحة 103)

المطالبة بالتفريط، ويؤاخذون الحس بما مضى من العيوب، فتجري عيون الندم، وتنعقد عزائم الاستدراك.

ولو أن هذه النفس خلت عن المعهودات التي وصفتها، لتشاغلت بخدمة بارئها، ولو وقعت في سورة حبة1، لاستوحشت عن الكل شغلًا بقربة، ولهذا اعتمد الزهاد الخلوات، وتشاغلوا بقطع المعوقات، وعلى قدر مجاهدتهم في ذلك نالوا من الخدمة مرادهم، كما أن الحصاد على مقدار البذر.

183- غير أني تلمحت في هذه الحالة دقيقة، وهو أن النفس لو دامت لها اليقظة، لوقعت فيما هو شر من فوت ما فاتها، وهو العجب بحالها، والاحتقار لجنسها2! وربما ترقت بقوة علمها وعرفانها إلى دعوى قولها: "لي، وعندي، واستحق ... " فتركها في حومة3 ذنوبها تتخبط، فإذا وقفت على الشاطيء، قامت بحق ذلة العبودية، [وذلك] أولى لها.

هذا حكم الغالب من الخلق، ولذلك شغلوا عن هذا المقام، فمن بذر، فصلح له، فلا بد له من هفوة تراقبها عين الخوف من عقابها رفقًا بها، تصح له عبوديته، وتسلم له عبادته، وإلى هذا المعنى أشار الحديث الصحيح: "لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم"4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015