3- عصره وبيئته:
كان العراق تحت سلطان السلاجقة منذ منتصف القرن الخامس الهجري، وقد شهد القرن السادس صراعًا وانقسامًا في البيت السلجوقي، مما أتاح للخلفاء العباسيين في بغداد استراداد شيء من سلطانهم.
وعاصر ابن الجوزي ستة من الخلفاء العباسيين، وهم على الترتيب: المسترشد "512-529هـ"، والراشد "529-530هـ"، والمقتفي "530-555هـ"، والمستنجد "555-566هـ"، والمستضئ "566-572هـ"، والناصر "572-622هـ".
أما بغداد فقد فقدت في عهده شيئًا من محاسنها، وخيم الخراب على بعض أجزائها، بسبب الفتن والحروب والكوارث التي كانت تتعرض لها بين الفينة والأخرى؛ فقد حدث في حياة ابن الجوزي حريق كبير عام "510هـ"، وزلزال عام "511هـ"، وحريق في دار السلطة عام 515هـ، وفتنة وحروب عام 517هـ، وزلزال عام 538هـ، وزلزال آخر عام 544هـ، وطوفان عظيم عام 554هـ غرقت فيها دار ابن الجوزي وتلفت كتبه، ثم جاء الوباء والمجاعة عام 574هـ؛ لكنها بقيت محافظة على مكانتها العلمية والأدبية، يقصدها العلماء من كل ناحية ليزدادوا علمًا. وحسبنا أن نعلم أن شيوخ ابن الجوزي قد بلغو تسعة وثمانين شيخًا، وهو لم يرحل من بغداد إلا مرتين إلى الحج: الأولى سنة "541هـ"، والثانية سنة "553هـ".
4- نشأته وطلبه للعلم:
توفي والده وهو طفل صغير أتم السنة الثالثة من عمره، فكفلته عمته، وقامت بأعباء تربيته، والعناية به، فحملته إلى مسجد الشيخ أبي الفضل ابن ناصر الذي اعتنى به، وعلمه. يقول -رحمه الله- في لفتة الكبد، الفصل "3": ولقد وفق لي شيخنا أبو الفضل ابن ناصر رحمه الله، وهو الذي تولى تسميعي الحديث من زمن الصغر، وهو الذي جعله الله تعالى سببًا لإرشادي إلى العلم؛ فإنه كان يجتهد معي، وكان يحملني إلى الشيوخ العوالي، وأنا لا أعلم ما يراه مني، ولا أدري ما العلم من الصغر، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت، وأثبت لي ما أسمعت بخطه، وأخذ لي إجازات، وعنه فنلت منه معرفة الحديث والنقل، ولم أستفد من أحد كاستفادتي منه.
وهكذا نشأ ابن الجوزي شغوفًا بالعلم على اختلاف فنونه، يقول في صيد