أبي ليلى والأصم، فإنهما جوزا الطهارة بسائر أنواع المياه حتى المعتصرة من الأشجار ونحوها، وخالفا الجمهور في أنه لا تصح الطهارة إلا بالماء المطلق، وكأبي حنيفة فإنه خالف الجمهور في أن النجاسة لا تزال إلا بالماء وقال: تزال بكل مائع غير الأدهان، وكالشافعي فإنه خالف الجمهور وقال بكراهة استعمال الماء المشمس في الطهارة، وكأحمد فإنه قال بكراهية الماء المسخن بالنجاسة، وخالف الجمهور، وكمالك فإنه قال: الماء المستعمل مطهر وخالف في ذلك الجمهور، وغير ذلك من الأمثلة التي لا تكاد تحصر، فيلزم أن تكون تلك الأئمة تاركين لهذا الواجب.

وقوله: وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} .

أقول: قد استدل القائلون بحجية الإجماع بهذه الآية، فإن تم الثابت منه وجوب اتباع ما أجمع عليه الأمة لا وجوب اتباع الجمهور، فلا يتم التقريب، مع أن في تمامه كلاماً صعباً.

قوله: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".

أقول: هذا الحديث بهذا اللفظ لم أقف عليه، نعم في سنن ابن ماجه من حديث أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم" وفي سنده معان بن رفاعة وهو لين الحديث كثير الإرسال، وأيضاً في سنده أبو خلف الأعمى وهو متروك كذبه يحيى بن معين كما تقدم.

فهذا الحديث ضعيف جداً ليس مما يحتج به على شيء من الأحكام الشرعية، وعلى تقدير ثبوت الحديث فالسواد الأعظم فيه قولان:

(أحدهما) : جملة الناس ومعظمهم الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015