في الأساليب وما خص الله به لغتها دون جميع اللغات، فإنه ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من العارضة والبيان واتساع المجال ما أوتيته العرب خصيصًا من الله، لما أرهصه في الرسول -صلى الله عليه وسلم -وأراده من إقامة الدليل على نبوته بالكتاب، فجعله علمه كما جعل علم كل نبي من المرسلين من أشبه الأمور لما في زمانه المنبعث فيه، فكان لموسى -صلى الله عليه وسلم -قلق البحر واليد والعصا وتفجر البحر في التيه بالماء الرواء إلى سائر أعلامه زمن السحر، وكان لعيسى -عليه السلام -إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص إلى سائر أعلامه زمن الطب، وكان لمحمد -صلى الله عليه وسلم - الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يأتو بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، إلى سائر أعلامه زمن البيان.
كان الخطيب من العرب إذا ارتجل كلامًا في نكاح أو تخصيص أو صلح أو ما أشبه ذلك، لم يأت به واد واحد، بل يفتن، فيختصر تارة. إرادة التخفيف، ويطيل تارة إرادة الإفهام، ويكرر تارة إرادة التوكيد، ويخفى بعض معانيه حتى تغمض على أكثر السامعين