لغةً من اللُّغات لا تطابق لغة أخرى من جميع جهاتها بحدود صفاتها من في أسمائها وأفعالها وحروفها وتأليفها وتقديمها وتأخيرها واستعارتها وتحقيقها وتشديدها وسعتها وضيقها ونظمها ونثرها وسجعها ووزنها وميلها وغير ذلك مما يطول ذكره. وما أظن أحدًا يدفع هذا الحكم، ويشك في صوابه ممن يرجع إلى مسكة من عقل أو نصيب من إنصاف فمن أين يجب أن تثق بشيء ترجم لك على هذا الوصف؟ بل أنت إلى أن تعرف اللغة العربية، أحوج منك إلى أن تعرف المعاني اليونانية.

وحدثني عن قائل قال لك: حالي في معرفة الحقائق والتصفح لها والبحث عنه، حال قوم كانوا قبل واضع المنطق، أنظر كما نظروا، وأتدبر كما تدبروا، لأن اللغة كما عرفتها بالمنشأ والوراثة، والمعاني نقرت عنها بالنظر والرأي، ما تقول له؟ لا يصح له هذا الحكم، ولا يستتب هذا الأمر، لأنه لم يعرف هذه الموجودات من الطريقة التي عرفتها أنت. ولعلك تفرح بتقليدك، وإن كان على باطل، أكثر مما تفرح باستبداده، وإن كان على حق، وهذا هو الجهل المبين، والحكم الغير مستبين، ومع هذا فحدثني عن الواو ما حكمه؟ فإني أريد أن أبين أن تفخيمك للمنطق لا يغني عنك شيئًا، وقد سألتك عن معنى حرف واحد، فكيف لو نثرت عليك الحروف كلها وطالبتك بمعانيها ومواضعها التي لها بالحق، والتي لها بالتجوز.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015