وكذلك في الصناعات مفضوضة على وجه الأرض، ولهذا غلب علم في مكان دون مكان، وكثرت صناعة في بقعة دون صناعة، وهذا واضح والزيادة عليه مشغولة ومع هذا فإنما كان يصح قولك، وتسلم دعواك، لو كانت يونان معروفة من بين جميع الأمم بالعصمة العالية، والفطرة الظاهرة، والبنية المخالفة. وأنهم لو أرادوا أن يخطئوا ما قدروا، ولو قصدوا أن يكذبوا ما استطاعوا، وأن السكينة نزلت عليهم، والحق تكفل بهم، والخطأ تبرأ منهم، والفضائل لصقت بأصولهم وفروعهم، والرذائل بعدت عن جواهرهم وعروقهم. وهذا جهل ممن يظنه، بهم، وعناد ممن يدعيه عليهم، بل كانوا كغيرهم من الأمم يصيبون في أشياء، ويصدقون في أمور ويكذبون في أمور، ويحسنون في أحوال ويسيئون في أحوال.

وليس واضع المنطق يونان بأسرها، إنما هو رجل منهم. وقد أخذ عمن قبله، كما أخذ عنه من بعده. وليس هو حجة على هذا الخلق الكثير، وله مخالفون منهم ومن غيرهم. ومع هذا فالاختلاف في الرأي والنظر والبحث والمسألة والجواب طبيعة، فكيف يجوز أن يأتي رجل بشيء رفع به هذا الخلاف، أو يخلخله، أو يؤثر فيه؟ هيهات هذا محال ولقد بقي العالم بعد منطقه، على ما كان قبل منطقه. فامسح وجهك بالسلوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015