وهل رأى أحد متكلمًا أداه نظره وكلامه إلى تقوى في الدين أو ورع في المعاملات أو سداد في الطريقة أو زهد في الدنيا أو إمساك عن حرام أو شبهة أو خشوع في عبادة، أو ازدياد من طاعة، أو تورع من معصية إلا الشاذ النادر. بل لو قلبت القصة كنت صادقًا تراهم أبدًا منهمكين في كل فاحشة، متلبسين لكل قاذورة، لا يرعوون عن قبيح ولا يرتدعون من باطل إلا من عصمة الله فأين دلهم النظر على اليقين وحقيقة التوحيد، فبئس ثمرة اليقين هذا، وتعسًا لتوحيد إلى مثل هذه الأشياء، وأوردهم هذه المتالف في الدين، ومن الله التوفيق وحسن المعونة لإصابة طريق الحق والثبات عليه بمنه.

وقالوا أيضًا وهو الأصل الذي يؤسسه المتكلمون والطريق الذي يجعلونه قاعدة علومهم وربما قالوا من لم يحكم هذا الأصل لم يمكنه إثبات: حدث العالم وذلك مسألة العرض والجوهر وإثباتهما. فإنهم قالوا: إن الأشياء لا تخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكون جسمًا أو عرضًا أو جوهرًا، فالجسم ما اجتمع من الافتراق، والجوهر ما احتمل الأعراض، والعرض ما لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره، وجعلوا الروح من الأعراض، وردوا أخبار رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في خلق الروح قبل الجسد، لأنه لم يوافق نظرهم وأصولهم واختراعهم، وردوا خبره "صلى الله عليه وسلم" في خلق العقل قبل الخلق وإنما ردوا هذه الأخبار لأن العقل عندهم عرض كالروح، والعرض لا يقوم بنفسه فردوا الأخبار بهذه الطريق. وكذلك ردوا الخير الذي روى عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أن الموت يذبح على الصراط، لأن الموت عرض لا ينفرد بنفسه. فهذا أصلهم الثاني الذي أدى إلى رد الأخبار الثابتة عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم". ومثل هذا كثير يأتي بيانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015