منه ونهوا الناس عن مجالسته ومحاورته والكلام معه؛ وربما نهوا عن النظر إليه وقد قالوا إذا رأيت مبتدعًا في طريق فخذ في طريق آخر.
ولقد ظهرت هذه الأهواء الأربع التي هي رأس الأهواء، أعني القدر والأرجاء، ورأي الحرورية والرافضة في آخر زمان الصحابة فكان إذا بلغهم أمرهم أمروا بما ذكرنا ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه جادلهم بدلائل العقل، أو أمر بذلك، وقد كانوا إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب. وقد شاهدوا الوحي والتنزيل وعدلهم الله في القرآن وشهد لهم بالصدق وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية في الدين وكانت طاعتهم أجل، وقلوبهم أسلم، وصدورهم أطهر، وعلمهم أوفر. وكانوا من الهوى والبدع أبعد. ولو كان طريق الرد على المبتدعة هو الكلام ودلائل العقل والجدال معهم لاستغلوا به وأمروا بذلك وندبوا إليه.
وإنما ظهرت المجادلات في الدين والخصومات بعد مضي قرن التابعين ومن يليهم، حين ظهر الكذب، وفشت شهادات الزور، وشاع الجهل، واندرس أمر السنة بعض الاندراس. واتى على الناس زمان حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده.
ولقد صدق إبراهيم النخعي حيث يقول: إن القوم ل م يؤخر عنهم شيء خبي لكم، لفضل عندكم، وإنما كان غايتهم التبري، وإظهار المجانبة، والأمر بالتباعد.
والمشهور عن ابن عمر أنه لما بلغه قول أهبل القدر قال أبلغوهم أني منهم برئ، ولو وجدت أعوانًا لجاهدتهم.