لو كشف عن علة ذلك الحادث، وأبان وأوضح عن سببه، وعن المراد من مخرجه، لأدركته عقولنا، ولو كان كل ما أتى به الحكم من الله عز وجل، والأمر بتعبده، أتانا مكشوفًا بيانه، موضحة علته، لم تكن للعباد بلوى ولا محنة، وإنما المحن الغلاظ والبلوى الشديدة للأمور والفروض التي لا تنكشف عللها، ليسلم العباد بها تسليمًا، ويقفوا عندها إيمانًا. ولولا وصفناه كان الذي سبق إليه فكر العقول منا أن واجبا في كل ما سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ربه عز وجل أن يجيبه، وأن ينزل عليه، فيه شفاء ليزداد الناس به علمًا، ولملكوته فهمًا.
ولسنا نرى الأمر كذلك، فقد سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ربه عز وجل عن الروح، فلما أجابه قال الله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.
وعلى ذلك خالف ربنا بين من أنزل من شرائعه، وأعلام دينه، ومعالم فروضه وعباداته في الأمم الخوالي، فأحل لطائفة ما رحمه على أمة، وحرم على أمة ما أطلقه لغيرها من أمة، وحظر على آخرين ما أباحه لمن سواهم، وكذلك الأمر فيما أنزل من كتبه. وخالف بينهما في أحكامها، كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وصحف من مضى من الرسل، ليسلم الموفق منهم لأمره ونهيه، وينكص المخذول منهم على عقبيه نفارًا من التفريق بين المجتمعين، وعن الجمع بين المتفرقين، وعلموا أن السلامة فيما أنزل عليهم في الابتاع والتقليد، لما أمروا به، والإعراض عن طلب التكيف فيما أجمل لهم، وعن الغلو والإيغال في التماس نهاياتها للوقوع على أقصى مداخلها،