(16) «1» [وكان أكثر ما حدانى على هذا الكتاب وتأليفه على هذه الصورة أنّى كنت فى حال الحداثة شغفا بأخبار البلدان والوقوف على حال الأمصار كثير الاستعلام والاستخبار لسافرة النواحى ووكلاء التّجار وقرأة الكتب المؤلّفة فيها وكنت إذا لقيت الرجل الذي أظنّه صادقا وإخاله بما أسأله عنه خبيرا عالما فأجد «5» عند إعادة الخبر الذي أعتقد فيه صدقه وقد حفظت نسقه وتأمّلت طرقه ووصفه أكثر «6» ذلك باطلا وأرى الحاكى بأكثر ما حكاه جاهلا ثمّ أعاوده الخبر الذي ألتسمه منه والذكر ليسمع «7» الذي استوصفته وأطالع معه ما صدر مع غيره فى ذلك بعد رؤية وأجمع بينهما وبين حكاية ثالث بالعدل والسويّة فتتنافر الأقوال وتتنافى الحكايات وكان ذلك داعية الى ما كنت أحسّه فى نفسى بالقوّة على الأسفار وركوب الأخطار ومحبّة تصوير المدن وكيفيّة مواقع الأمصار وتجاور «11» الأقاليم والأصقاع، وكان لا يفارقنى كتاب ابن خرداذبه «12» وكتاب الجيهانىّ وتذكرة أبى الفرج قدامة بن جعفر وإذا الكتابان الأوّلان قد لزمنى أن أستغفر الله من حملهما واشتغالى بهما عن ما يلزمنى من توخّى العلوم النافعة والسنن الواجبة، ولقيت أبا إسحاق الفارسىّ وقد صوّر هذه الصورة لأرض السند «16» فخلطها وصوّر فارس فجوّدها وكنت قد صوّرت اذربيجان التى فى هذه الصفحة «17» فاستحسنها والجزيرة فاستجادها وأخرج التى لمصر فاسدة وللمغرب أكثرها خطأ وقال قد نظرت فى مولدك وأثرك وأنا اسألك إصلاح كتابى هذا حيث ضللت «19» فأصلحت منه غير شكل وعزوته اليه ثمّ