صور وخواطر (صفحة 91)

من أخبار العصور الخوالي، فالقاتل موجود في دكانه يغدو إليها ويروح إلى بيته، والقصة صحيحة رأيتها بعينَي رأسي وأنا سالم العقل غير مجنون ولا معتوه، متيقظ غير نائم ولا حالم، صاحٍ غير مخدَّر ولا سكران، ثم إني رأيتها الليلة البارحة!

* * *

هذه هي الحادثة الفظيعة التي كتب الله أن تكون هي موضوع قصتي التي فكرت فيها وأطلت التفكير، فكيف رآها الناس فلم يحفلوا بها ولم يأبهوا لها؟ أفَسَدت الأخلاق وضاعت المروءات حتى لا ننكر الأمر النُّكْر؟ أم خارت العزائم وانخلعت القلوب حتى لا نجرؤ على المجرم الظالم؟ وهل نامت الحكومة في الشام نَوْمَةَ أهل الكهف حتى ما تدري بالدم يسيل في شارع من أكبر شوارع دمشق؟

لقد سكت الجميع، حتى إن أنسباء القتيل قد ناموا على دمه وقعدوا عن الثأر له، ولم يتقدم أحدٌ منهم شاكياً ولا مدّعياً، لأن القاتل -كما قالوا- عازم على ذبحهم كلهم إنْ قدر عليهم، وماضيه حافل بمثل هذه الجرائم.

فما سر هذا السكوت؟

لقد علمت السرَّ -بعدُ- يا سادة.

ذلك أن المسكين الشهيد كان خروفاً من خرفان الضحية، وأن القاتل كان جزّارَ الحارة، وأن الناس شاركوه في جرمه، فأكلوا لحم الذبيح مشوياً ومقلياً ومطهياً، وأكلت معهم، ونسيت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015