ليس فيه إلا جماعة الشعراء البائسين يُعِدّون قصائدهم لتدفن معهم في هذا القبر الأسود فلا يدري بها أحد.
فوليت هارباً، وآثرت العودة إلى مقارعة الشوك وجهاد الحياة. عدت فقارعت وجاهدت فلم أصل إلى شيء، فسألت نفسي: هل أيأس؟
* * *
سألتها وحدثتها، ولكني جَهَرت بالحديث فأيقظت النائمين.
أطلَّت عليّ النخلة فقالت: إلامَ تجاهد وتناضل؟ ماذا تريد أيها الرجل؟ ألا تقنع مثلي بأن تقف في مكانك حتى يأتيك الموت؟ قلت: لا، إن لي غاية واحدة، هي أن أبقى دائماً أجاهد وأناضل. فضحكت وقهقهت أوراقها وعادت إلى منامها.
ومدّت القبة رأسها فقالت: ألا تنام مثلي أيها الفتى وتحلم؟ لماذا تعدو في طريق القبر؟ قلت: إني أحب أن أصل إلى القبر لأني سأخرج منه إلى الفضاء الواسع، سأخلع فيه ثوبي الجثماني ثم أنطلق صُعُداً. فذهبت وهي تحدث نفسها: ينطلق صعداً؟ أنا هنا منذ ألف ومئة سنة ولم أنطلق صعداً! ثم رجعت إلى المنام.
وقالت دجلة وقد صفَّق لي ماؤها سروراً: امضِ أيها الغلام، امض؛ إن طريقك طويل ولكنك قوي. إنك لا تمشي إلى القبر لتَفنى ولكن تدخل من باب القبر إلى عالم الخلود. ها أنا قد بلغت من العمر سبعمئة وخمسين ألف سنة، ولكنك قد وُلدت بعقلك قبلي، وستعيش بروحك من بعد أن تموت الجبال وتغرق البحار،