فما كان من الشيخ طاهر إلا أن قام فنزع الجبة وجعل يغمسها في البركة ثم يدلكها بالتراب، ثم يغمسها، ثم علقها على غصن حتى جفت وتكرّشت، فلبسها وقال: الآن استرحت؛ إن الجبة الجديدة تشغل فكر صاحبها، أما العتيقة فإنه لا يبالي بها فينصرف إلى تفكيره.
وصديقنا الكبير سامي بك العظم مفتش العدلية العام (?)، وقد حدثني من فمه أنه دعا فلاناً (وكان رئيساً للوزارة) إلى الغداء في داره في أقصى المهاجرين، فلما كان اليوم الموعود جاء الرئيس بسيارته إلى باب المنزل، فنزل منها وصرف السائق لئلا يطول عليه الانتظار، واجتاز الحديقة الممتدة وصعد الدرج العالي، وقرع الباب فلم يردّ أحد عليه، فعاد إلى البلد ماشياً في شمس الهاجرة من آب (أغسطس). أما سامي بك فقد نسي الموعد، ولم يكن في الدار أحد لأن أسرته في القاهرة، فذهب فتغدى في المطعم!
وصديقنا الأديب العالم الرّاوية عز الدين التنوخي، وقد دعا للبحث في إعداد مهرجان المتنبي من سنين جمهرةً من أدباء البلد إلى المَجْمَع العلمي يوم كان أمين سره، فلما جاؤوا وجدوا المجمع مغلق الباب، فذهب بعضهم إلى دار الأستاذ يسأل عنه خشية أن يكون به مرض، وإذا هو يشتغل بتحقيق كتاب أبي الطيب اللغوي، وإذا هو يحدثهم عن الكتاب، أما حكاية الدعوة فقد نسيها من أساسها!
* * *