وضرب لها الساعة السابعة موعداً، فلما حل الموعد وجاء القوم كان مشغولاً، فدعَوْه فلم يسمع، وألحّوا عليه فلم ينتبه، وكانوا يعرفون شذوذه، فأكلوا وانصرفوا. وقام بعد ساعتين فأمَّ غرفة المائدة فرأى الصحون الفارغة والملاعق المستعملة وبقايا الطعام، فجعل يفكر: هل أكل أم هو لم يأكل؟ ثم غلب على ظنه أنه قد أكل، فعاد إلى عمله!
وأمر الله أفندي، العالم التركي المشهور صاحب «المَعْلمَة» (?) التركية، وقد كان يركب البحر كل يوم ما بين داره في إسكِدار وعمله في إسطمبول، فركب يوماً وكان إلى جنبه موظف كبير في السفارة البريطانية، وكان في جيبه فستق حلبي، وكان أمر الله أفندي مشغول الفكر فجال بيده وهو لا يشعر، فسقطت في جيب البريطاني ووقعت على الفستق، فأخرج منه فأكل. وظن الرجل أنه مزاح فسكت، ولكن الشيخ عاد وأوغل في الأكل حتى كاد يستنفد الفستق كله، وكان الفُلْك مزدحماً ما فيه مفر للبريطاني من هذه الورطة، فأحبّ أن يتلطف بالشيخ حتى يكف، فسأله: كيف وجدت الفستق؟ قال: عال! وعاد إلى تفكيره وأكله، فقال له: ولكن ليس في جوار الدار مثله أشتريه للأولاد، وإذا دخلت عليهم من غير فستق بكوا. قال الشيخ؛ عجيب! وعاد إلى الأكل والتفكير، فقال له: أفلا تتكرم بإبقاء شيء لهم؟ قال: بلى، بكل امتنان، وأخرج طائفة من الفستق فدفعها إلى الإنكليزي وأكل الباقي!
وقد وُلّي وزارة المعارف وأُعطي عربة، فكان كلما بلغت