أتحسب أنك واحد وأنك معروف، وأنت جماعة في واحد، وأنت عالم مجهول؟ كشفتَ مجاهل البلاد وعرفت أطباق الجو، ولا تزال أنت مَخفيّاً لم يظهر على أسرارك أحد. فهل حاولت مرة أن تدخل إلى نفسك فتكشف مجاهلها؟
نفسك عالم عجيب، يتبدل كلَّ لحظة ويتغير ولا يستقر على حال: تحب المرءَ فتراه مَلَكاً، ثم تكرهه فتبصره شيطاناً. وما ملكاً كان قطّ ولا شيطاناً، وما تبدل، ولكن تبدلت حالة نفسك. وتكون في مسرَّة فترى الدنيا ضاحكة، حتى إنك لو كنت?مصوِّراً? (?) لملأت صورتها على لوحتك بزاهي الألوان، ثم تراها وأنت في كدر باكية قد غرقت في سواد الحداد. وما ضحكت الدنيا قط ولا بكت، ولكن كنت أنت الضاحك الباكي.
فما هذا التحول فيك؟ وأي أحكامك على الدنيا أصدق وأي نظرَيك أصح؟ وإذا أصابك إمساك فنالك منه صداع ساءت عندك الحياة، وامّحى جمال الرياض وطُمس بهاء الشمس واسْوَدّ بياض القمر، وملأتَ الدنيا فلسفة شؤم إن كنت فيلسوفاً وحشوت الأسماع شعر بؤس إن كنت شاعراً، فإذا زال ما بك بقَدَح من زيت الخَرْوَع ذهب التشاؤم في الفلسفة والبؤس في الشعر. فما فلسفتك -يا أيها الإنسان- وما شِعرك إن كان مصدرهما فَقْدَ قَدَح من زيت الخَرْوَع؟
وتكون وانياً واهي الجسم لا تستطيع حراكاً، فإذا حاق بك خطر أو هبط عليك فرح وثبت كأنْ قد نشطت من عقال وعدوت