قال: إني لم أفهم شيئاً إلى الآن، فما هو الموضوع؟
قلت: «فن الكلام».
إن الإنسان -كما يقولون- حيوان ناطق. وليس النطق أن يُخرج الحروف ويصفّ الكلام، بل أن يعرف كيف يتكلم، ورُبّ كلمة تُدخل الجنة وكلمة تُدخل النار، وكلمة أنجت من القتل وكلمة دفعت صاحبها إلى القتل. ورُبّ صاحب حاجة عند وزير أو كبير عرف كيف يطلبها فقُضيت له، وآخر طلبها فلم يصل إليها. وكثيراً ما كان يقصدني أرباب الحاجات يسألونني أن أكلم لهم مَن أعرف من الوزراء والكُبراء، وأنا أكره أن أسأل في حاجة لي أو لغيري، فكنت أعتذر إليهم، ولكني أفيدهم فائدة أكبر من وساطتي، هي أن ألقّنهم الكلام الذي يقولونه للوزير أو للكبير، ولولا أن الوقت يضيق عن التمثيل لضربت لذلك أمثالاً. وفي كتب الأدب العجائب في هذا الباب، ولعلّي أعود إلى الكلام فيه يوماً.
وهذا فن لا يُتعلَّم تعلماً، ولكن يوصَل إليه بالقلب الذكي، وبأن تعرف خُلُق مَن تكلمه والطريق إلى نفسه. وكل نفس لها باب وإليها طريق؛ لم يخلق الله نفساً مغلقة لا باب لها، فهذا يُدخَل إليه من باب التعظيم، وهذا من باب العاطفة، وهذا من باب المنطق، وهذا من باب التهديد والتخويف، وهذا يزعجه التطويل ويحب الاختصار، وهذا يُؤْثر الشرح والبيان ... ولا بد لك قبل أن تكلم أحداً أن تعرف من أي باب من هذه الأبواب تدخل عليه. ولا أذهب بك بعيداً، بل أبقى معك في الدار. أليس لك أولاد؟
قال: بلى.